الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الفصل في الملل والنحل **
أم لا يكون مؤمناً مسلماً إلا من استدل قال أبو محمد ذهب محمد بن جرير الطبري والأشعرية كلها حاشا السمناني إلى أنه لا يكون مسلماً إلا من استدل وإلا فليس مسلما و قال الطبري من بلغ الاحتلام أو الاشعار من الرجال والنساء أو بلغ المحيض من النساء ولم يعرف الله عز وجل بجميع أسمائه وصفاته من طريق الاستدلال فهو كافر حلال الدم والمال و قال أنه إذا بلغ الغلام أو الجارية سبع سنين وجب تعليمها وتدريبهما على الاستدلال على ذلك و قال ت الأشعرية لا يلزمها الاستدلال على ذلك إلا بعد البلوغ. قال أبو محمد و قال سائر أهل الإسلام كل من اعتقد بقلبه اعتقاداً لا يشك فيه و قال بلسانه لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإن كل ما جاء به حق وبرئ من كل دين سوى دين محمد صلى الله عليه وسلم فإنه مسلم مؤمن ليس عليه غير ذلك. قال أبو محمد فاحتجت الطائفة الأولى بأن قال ت قد اتفق الجميع على أن التقليد مذموم وما لم يكن يعرف باستدلال فإنما هو تقليد لا واسطة بينهما وذكروا قول الله عز وجل " قال أبو محمد هذا كلما موهوا به قد تقصيناه لهم غاية التقصي وكل هذا لا حجة لهم في شيء منه على ما نبين بحول الله وقوته إن شاء الله تعالى لا إله إلا هو بعد أن نقول قولاً نصصحه المشاهدة إن جمهور هذه الفرقة أبعد من كل من ينتمي إلى البحث والاستدلال عن المعرفة بصحة الدلائل فأعجبوا لهذا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين. قال أبو محمد أما قولهم قد أجمع الجميع على أن التقليد مذموم وأن ما لا يعرف باستدلال فإنما هو أخذ تقليد إذ لا واسطة بينهما فإنهم شغبوا في هذا الإمكان وولبوا فتركوا التقسيم الصحيح ونعم أن التقليد لا يحل البتة وإنما التقليد أخذ المرء قول من دون رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن لم يأمرنا الله عز وجل باتباعه قط ولا بأخذ قوله بل حرم علينا ذلك ونهانا عنه وأما أخذ المرء قول رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي افترض علينا طاعته وألزمنا اتباعه وتصديقه وحذرنا عن مخالفة أمره وتوعدنا على ذلك أشد الوعيد فليس تقليداً بل هو إيمان وتصديق واتباع للحق وطاعة لله عز وجل وأداء للمفترض فموه هؤلاء القوم بأن أطلقوا على الحق الذي هو اتباع الحق اسم التقليد الذي هو باطل وبرهان ما ذكرنا أن امراءً لو اتبع أحداً دون رسول الله صلى الله عليه وسلم في قول قال ه لأن فلاناً قال ه فقط واعتقد أنه لو لم يقل ذلك الفلان ذلك القول لم يقل به هو أيضاً فإن فاعل هذا القول مقلد مخطى عاص لله تعالى ولرسوه ظالم آثم سواء كان قد وافق قوله ذلك الحق الذي قال ه الله ورسوله أو خالفه وإنما فسق لأنه اتبع من لم يؤمر باتباعه وفعل غير ما أمره الله عز وجل أن يفعله ولو أن امراءً اتبع قول الله عز وجل وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لكان مطيعاً نحسناً مأجوراً غير مقلد وسواء وافق الحق أو وهم فأخطأ وإنما ذكرنا هذا لنبين أن الذي أمرنا به وافترض علينا هو اتباع ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقط وأن الذي حرم علينا هو اتباع من دونه أو اختراع قول لم يأذن به الله تعالى فقط وقد صح أن التقليد باطل لا يحل فمن الباطل الممتنع أن يكون الحق باطلاً معا والمحسن مسيئاً من وجه واحد معا فإذ ذلك كذلك فمتبع من أمر الله تعالى باتباعه ليس مقلداً ولا فعله تقليداً وإنما المقلد من اتبع من لم يأمره الله تعالى باتباعه فسقط تمويههم بذم التقليد وصح أنهم وضعوه في غير موضعه وأوقعوا اسم التقليد على ما ليس تقليداً وبالله تعالى التوفيق وأما احتجاجهم بذم الله تعالى اتباع الأباء والكبراء فهو مما قلنا آنفا سواء بسواء لأن اتباع الأباء والكبراء وكل من دون رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو من التقليد المحرم المذموم فاعله فقط قال الله عز وجل " قال أبو محمد وأما احتجاجهم أنه لا يعرف أي الأمرين أهدى ولا هل يعلم الأباء شيئاً أم لا إلا بالدلايل وإن كل ما لم يصح به دليل فهو دعوى ولا فرق بين الصادق والكاذب بنفس قولهما وذكرهم قول الله تعالى " قال أبو محمد هم الذين قال لهم الله فيهم " قال أبو محمد قد سمى الله عز وجل راشدين القوم الذين زين الإيمان في قلوبهم وحببه إليهم وكره إليهم الكفر والمعاصي فضلا منه ونعمة وهذا هو خلق الله تعالى للإيمان في قلوبهم ابتدأ وعلى ألسنتهم ولم يذكر الله تعالى في ذلك استدلالاً أصلاً وبالله تعالى التوفيق وليس هؤلاء مقلدين لابابهم ولا لكبرائهم لأن هؤلاء مقرون بألسنتهم محققون في قلوبهم أن اباؤهم ورؤساءهم لو كفروا لما كفروا هم بل كانوا يستحلون قتل أبائهم ورؤسائهم والبرأة منهم ويحسون من أنفسهم النفار العظيم عن كل من سمعوا منه ما يخالف الشريعة ويرون أن حرقهم بالنار أخف عليهم من مخالفة الإسلام وهذا أمر قد عرفناه من أنفسنا حساً وشاهدناه في ذواتنا يقيناً فلقد بقينا سنين كثيرة ولا نعرف الاستدلال ولا وجوهه ونحن ولله الحمد في غاية اليقين بدين الإسلام وكل ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم نجد أنفسنا في غاية السكون إليه وفي غاية النفار عن كل ما يعترض فيه بشك ولقد كانت تخطر في قلوبنا خطرات سوء في خلال ذلك ينبذها الشيطان فنكاد لشدة نفارنا عنها أن نسمع خفقان قلوبنا استبشاعاً لهما كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ سئل عن ذلك ف قالوا له أن أحدنا ليحدث نفسه بالشيء ما أنه يقدم فتضرب عنقه أحب إليه من أن يتكلم به فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن ذلك محض الإيمان وأخبر أنه من وسوسة الشيطان وأمر صلى الله عليه وسلم في ذلك بما أمر به من التعوذ والقرأة والتفل عن اليسار ثم تعلمنا طرق الاستدلال وأحكمناها ولله تعالى الحمد فما زادنا يقيناً على ما كنا بل عرفنا أننا كنا ميسرين للحق وصرنا كمن عرف وقد أيقن بأن الفيل موجود سماعاً ولم يره ثم رآه فلم يزدد يقيناً بصحة أنيته أصلاً لكن أرانا صحيح الاستدلال رفض بعض الآراء الفاسدة التي نشأنا عليها فقط كالقول في الدين بالقياس وعلمنا أن كنا مقتدين بالخطأ في ذلك ولله تعالى الحمد وأن المخالفين لنا ليعرفون من أنفسهم ما ذكرنا إلا أنهم يلزمهم أن يشهدوا على أنفسهم بالكفر قبل استدلالهم ولا بد فصح بما قلنا أن كل من امحض اعتقاد الحق بقلبه و قال ه بلسانه فهم مؤمنون محققون وليسوا مقلدين أصلاً وإنما كانوا مقلدين لو أنهم قالوا واعتدقوا أننا إنما نتبع في الدين آباءنا وكبرآءنا فقط ولو أن اباءنا وكبرآءنا تركوا دين محمد صلى الله عليه وسلم لتركناه فلو قالوا هذا واعتقدوه لكانوا مقلدين كفاراً غير مؤمنين لأنهم إنما اتبعوا آباءهم وكبرآءهم الذين نهوا عن اتباعهم ولم يتبعوا النبي صلى الله عليه وسلم الذين أمروا باتباعه وبالله تعالى التوفيق وإنما كلف الله تعالى الاتيان بالبرهان إن كانوا صادقين يعني الكفار المخالفين لما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم هذا نص الآية ولم يكلف قط المسلمين الاتيان بالبراهين وإلا سقط اتباعهم حتى يأتوا بالبرهان والفريق بين الأمرين واضح وهو أن كل من خالف النبي صلى الله عليه وسلم فلا برهان له أصلاً فكلف المجيء بالبرهان تبكيتاً وتعجيزاً إن كانوا صادقين وليسوا صادقين بلا برهان لهم وأما من اتبع ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد اتبع الحق الذي قامت البراهين بصحته ودان بالصدق الذي قامت الحجة البالغة بوجوبه فسواء علم هو بذلك البرهان أو لم يعلم حسبه أنه على الحق الذي صح بالبرهان ولا برهان على ما سواه فهو محق والحمد لله رب العالمين وأما قولهم ما لم يكن علما فهو شك وظن والعلم هو اعتقاد الشيء على ما هو به عن ضرورة أو استدلال قالوا والديانات لا تعرف صحتها إلا بالاستدلال فإن لم يستدل المرء فليس عالما وإذا لم يكن عالماً فهو جاهل شاك أو ظان وإذا كان لا يعلم الدين فهو كافر. قال أبو محمد فهذا ليس كما قالوا لأنهم قضوا قضية باطلة فاسدة بنوا عليها هذا الاستدلال وهي إقحامهم في حد العلم قولهم عن ضرورة أو استدلال فهذه زيادة فاسدة لا نوافقهم عليها ولا جاء بصحتها قرآن ولا سنة ولا إجماع ولا لغة ولا طبيعة ولا قول صاحب وحد العلم على الحقيقة أنه اعتقاد الشيء على ما هو به فقط وكل من اعتقد شيئاً على ما هو به ولم يتخالجه شك فيه فهو عالم به وسواء كان عن ضرورة حس أو عن بديهة عقل أو عن برهان استدلال أو عن تيسير الله عز وجل له وخلقه لذلك المعتقد في قلبه ولا مزيد ولا يجوز البتة أن يكون محقق في اعتقاد شيء كما هو ذلك الشيء وهو غير عالم به وهذا تناقض وفساد وتعارض وبالله تعالى التوفيق وأما قولهم في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في مساءلة الملك فلا حجة لهم فيه بل هو حجة عليهم كما هو لمجرده لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما قال فيه فأما المؤمن أو الموقن فيقول هو رسول الله ولم يقل عليه الصلاة والسلام فأما المستدل فحسبنا فوز المؤمن الموقن كيف كان إيمانه ويقينه و قال عليه الصلاة والسلام وأما المنافق أو المرتاب ولم يقل غير المستدل فيقول سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته فنعم هذا قولنا لأن المنافق والمرتاب ليسا موقنين ولا مؤمنين وهذا صفة مقلد للناس لا محقق فظهر أن هذا الخبر حجة عليهم كافية وبالله تعالى التوفيق وأما قولهم أن الله عز وجل قد ذكر الاستدلال في غير موضع من كتابه وأمر به وأوجب العلم به والعلم لا يكون إلا عن استدلال فهذه أيضاً زيادة أقحموها وهي قولهم وأمر به فهذا لا يجدونه أبداً ولكن الله تعالى ذكر الاستدلال وحض عليه ونحن لا ننكر الاستدلال بل هو فعل حسن مندوب إليه محفوض عليه كل من اطاقه لأنه تزود من الخير وهو فرض على كل من لم تسكن نفسه إلى التصديق نعوذ بالله عز وجل من البلا وإنما ننكر كونه فرضاً على كل أحد لا يصح إسلام أحد دونه هذا هو الباطل المحض وأما قولهم إن الله تعالى أوجب العلم به فنعم وأما قولهم والعلم لا يكون إلا عن استدلال فهذا هي الدعوى الكاذبة التي أبطلناها آنفاً وأول بطلانها أنها دعوى بلا برهان وبالله تعالى العزيز الحكيم نتأيد. قال أبو محمد هذا كلما شنعوا به قد نقضناه والحمد لله رب العالمين فسقط قولهم إذ تعرى من البرهان وكان دعوى منهم مفتراة لم يأت بها نص قط ولا إجماع وبالله التوفيق. قال أبو محمد ونحن الآن ذاكرون بعون الله وتوفيقه وتأييده البراهين على بطلان قولهم ولا حول قال أبو محمد ي قال لمن قال لا يكون مسلما إلا من استدل أخبرنا متى يجب عليه فرض الاستدلال أقبل البلوغ أم بعده ولا بد من أحد المرين فلما الطبري فإنه أجاب بأن ذلك واجب قبل البلوغ. قال أبو محمد وهذا خطأ لأن من لم يبلغ ليس مكلفاً ولا مخاطباً وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع القلم عن ثلاثة فذكر الصغير حتى يحتلم فبطل جواب الطبري رحمه الله وأما الأشعرية فإنهم أتوا بما يملأ الفم وتقشعر منها جلود أهل الإسلام وتصدء منها المسامع ويقطع ما بين قائلها وما بين الله عز وجل وهي أنهم قالوا لا يلزم طلب الأدلة إلا بعد البلوغ ولم يقنعوا بهذه الجملة حتى كفونا المؤنة وصرحوا بما كنا نريد أن نلزمهم ف قالوا غير مساترين لا يصح إسلام أحد حتى يكون بعد بلوغه شاكا غير مصدق. قال أبو محمد ما سمعنا قط في الكفر والانسلاخ من الإسلام بأشنع من قول هؤلاء القوم أنه لا يكون أحد مسلما حتى يشك في الله عز وجل وفي صحة النبوة وفي هل رسول الله صلى الله عليه وسلم صادق أم كاذب ولا سمع قط سامع في الهوس والمناقضة والاستخفاف بالحقائق بأقبح من قبل هؤلاء أنه لا يصح الإيمان إلا بالكفر ولا يصح التصديق إلا بالجحد ولا يوصل إلى رضاء الله عز وجل إلا بالشك فيه وأن من اعتقد موقناً بقلبه ولسانه أن الله تعالى ربه لا إله إلا هو وأن محمداً رسول الله وأن دين الإسلام دين الله الذي لا دين غيره فإنه كافر مشرك اللهم إنا نعوذ بك من الخذلان فو الله لولا خذلان الله تعالى الذي هو غالب على أمره ما انطلق لسان ذي مسكة بهذه العظيمة وهذا يكفي من تكلف النقص لهذه الم قال ة الملعونة ومن بلغ هذا المبلغ حسن السكوت عنه ونعوذ بالله من الضلال ثم نقول لهم أخبرونا عن هذا الذي أوجبتم عليه الشك في فرض أو الشك في صحة النبوة والرسالة كم تكون هذه المدة التي أوجبتم عليه فيه البقا شاكا مستدلا طالباً للدلائل وكيف أن لم يجد في قريته أو مدينته ولا في اقليمه محسناً للدلائل فرحل طالباً للدلائل فاعترضته أهوال ومخاوف وتعذر من بحر أو مرض فاتصل له ذلك ساعات وأياماً وجمعاً وشهوراً وسنين ما قولكم في ذلك فإن حدوا في المدة يوماً أو يومين أو ثلاثة أو أكثر من ذلك كانوا متحكمين بلا دليلوقائلين بلا هدي من الله تعالى ولم يعجز أحد عن أن يقول في تحديد تلك المدة بزيادة أو نقصان ومن بلغ ها هنا فقد ظهر فساد قوله وأن قالوا لا يحد في ذلك حداً قلنا لهم فإن امتد كذلك حتى فنى عمره ومات في مدة استدلاله التي حددتم له وهو شاك في الله تعالى وفي النبوة أيموت مؤمناً ويجب له الجنة أم يموت كافراً وتجب له النار فإن قالوا يموت مؤمناً تجب له الجنة أتوا بأعظم الطوام وجعلوا الشكاك في الله الذين هم عندهم شكاك مؤمنين من أهل الجنة وهذا كفر محض وتناقض لا خفاء به وكانوا مع ذلك قد سمحوا في أن يبقى المرء دهره كله شاكاً في الله عز وجل وفي النبوة والرسالة فإن قالوا بل يموت كافراً تجب له النار قلنا لهم لقد أمرتموه بما فيه هلاكه وأوجبتم عليه ما فيه دماره وما يفعل الشيطان إلا هذا في أمره بما يؤدي إلى الخلود في النار وإن قالوا بل هو في حكم أهل الفترة قلنا لهم هذا باطل لأن أهل الفترة لم تأتهم النذارة ولا بلغهم خبر النبوة والنص إنما جاء في أهل الفترة ومن زاد في الخبر ما ليس فيه فقد كذب على الله عز وجل ثم نقول لهم وبالله تعالى التوفيق ما حد الاستدلال الموجب لاسم الإيمان عندكم وقد يسمع دليلا عليه اعتراض الجزية ذلك الدليل أم لا فإن قالوا يجزيه قلنا لهم ومن أين وجب أن يجزيه وهو ذليل معترض فيه وليس هذه الصفة من الدلائل المخرجة عن الجهل إلى العلم بل هي مؤدية إلى الجهل الذي كان عليه قبل الاستدلال فإن قالوا بل لا يجزيه إلا حتى يوقن أنه قد وقع على دليل لا يمكن الاعتراض فيه تكلفوا ما ليس في وسع أكثرهم وما لا يبلغه إلا قليل من الناس في طويل من الدهر وكثير من البحث ولقد درى الله تعالى أنهم أصفار من العلم بذلك يعنب أهل هذه الم قال ة الملعونة الخبيثة. قال أبو محمد ومن البرهان الموضح لبطلان هذه الم قال ة الخبيثة أنه لا يشك أحد ممن يدري شيئاً من السير من المسلمين واليهود والنصارى والمجوس والمنانية والدهرية في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مذ بعث لم يزل يدعو الناس الجماء الغفير إلى الإيمان بالله تعالى وبما أتى به ويقاتل من أهل الأرض من يقاتله ممن عند ويستحل سفك دمائهم وسبي نسائهم وأولادهم وأخذ أموالهم متقرباً إلى الله تعالى بذلك وأخذ الجزية وأصغاره ويقبل ممن آمن به ويحرم ماله ودمه وأهله وولده ويحكم له بحكم الإسلام وفيهم المرأة البدوية والراعي والراعية والغلام الصحراوي والوحشي والزنجي والمسبي والزنجية المجلوبة والرومي والرومية والأغثر الجاهل والضعيف في فهمه فما منهم أحد ولا من غيرهم قال عليه السلام إني لا أقبل إسلامك ولا يصح لك دين إلا حتى تستدل على صحة ما أدعوك إليه. قال أبو محمد لسنا نقول أنه لم يبلغنا أنه عليه السلام قال ذلك لأحد بل نقطع نحن وجميع أهل الأرض قطعاً كقطعنا على ما شاهدناه أنه عليه السلام لم يقل قط هذا لأحد ولا رد إسلام أحد حتى يستدل ثم جرى على هذه الطريقة جميع الصحابة رضي الله عنهم أولهم عن آخرهم ولا يختلف أحد في هذا الأمر ثم جميع أهل الأرض إلى يومنا هذا ومن المحال الممتنع عند أهل الإسلام أن يكون عليه السلام يغفل أن يبين للناس ما لا يصح لأحد الإسلام إلا به ثم تتفق على إغفال ذلك أو تعمد عدم ذكره جميع أهل الإسلام وتبينه لهم هؤلاء الأشقياء ومن ظن أنه وقع من الدين على ما لا يقع عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو كافر بلا خلاف فصح أن هذه الم قال ة خلاف للاجماع وخلاف لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم وجميع أهل الإسلام قاطبة فإن قالوا فما كانت حاجة الناس إلى الآيات المعجزات وإلى احتجاج الله عز وجل عليهم بالقرآن واعجازه به وبدعاء اليهود إلى تمني الموت ودعاء النصارى إلى المباهلة وشق القمر وقلنا وبالله تعالى التوفيق إن الناس قسمان قسم لم تسكن قلوبهم إلى الإسلام ولا دخلها التصديق فطلبوا منه عليه السلام البراهين فأراهم المعجزات فانقسموا قسمين طائفة آمنت وطائفة عندت وجاهرت فكفرت وأهل هذه الصفة اليوم هم الذي يلزمهم طلب الاستدلال فرضاً ولا بد كما قلنا وقسم آخر وفقهم الله تعالى لتصديقه عليه السلام وخلق عز وجل في نفوسهم الإيمان كما قال تعالى " قال أبو محمد ويلزم أهل هذه الم قال ة أن جميع أهل الأرض كفار لا ألأقل وقد قال بعضهم أنهم مستدلون. قال أبو محمد وهذه مجاهرة هو يدري أنه فيها كاذب وكل من سمعه يدري أنه فيها كاذب لأن أكثر العامة من حاضرة وبادية لا يدري ما معنى الاستدلال فكيف أن يستعمله. قال أبو محمد ويلزم من قال بهذه الم قال ة أن لا يأكل من اللحم إلا ما ذبحه هو أو من يدري أنه مستدل وأن لا يطأ إلا زوجة أنها مستدلة ويلزم أن يشهد على نفسه بالكفر ضرورة قبل استدلاله ومدة استدلاله وأن يفارق امرأته التي تزوج في تلك المدة وأن لا يرث أخاه ولا أباه ولا أمه إلا أن يكونوا مستدلين وأن يعمل عمل الخوارج الذين يقتلون غيلة وعمل المغيرية المنصورة في ذبح كل من أمكنهم وقتله وأن يستحلوا أموال أهل الأرض بل لا يحل لهم الكف عن شيء من هذا كله لأن جهاد الكفار فرض وهذا كله أن التزموا طرد أصولهم وكفروا أنفسهم وأن لم يقولوا بذلك تناقضوا فصح أن كل من اعتقد الإسلام بقلبه ونطق به لسانه فهو مؤمن عند الله عز وجل ومن أهل الجنة سواء كان ذلك عن قبول أو نشأة أو عن استدلال وبالله تعالى التوفيق وأيضاً فنقول لهم هل استدل من مخالفيكم في أقوالكم التي تدينون بها أحد أم لم يستدل قط أحد غيركم فلا بد من إقرارهم بأن مخالفيهم أيضاً قد استدلوا وهم عندكم مخطئون كمن لم يستدل وأنتم عندهم أيضاً مخطئون فإن قالوا إن الأدلة امنتنا من أن نكون مخطئين قلنا لهم وهذا نفسه هو قول خصومكم فإنهم يدعون أن أدلتهم على صواب قولهم وخطأ قولكم ولا فرق ما زالوا على هذه الدعوى مذ كانوا إلى يومنا هذا فما نراكم حصلتم من استدلالكم إلا على ما حصل عليه من لم يستدل سواء بسواء ولا فرق فإن قالوا لنا فعلى قولكم هذا يبطل الاستدلال جملة ويبطل الدليل كافة قلنا معاذ الله من هذا لكن أريناك أنه قد يستدل من يخطئ وقد يستدل من يصيب بتوفيق الله تعالى فقط وقد لا يستدل من يخطئ وقد لا يستدل من يصيب بتوفيق الله تعالى وكل ميسر لما خلق له والبرهان والدلائل الصحاح غير المموهة فمن وافق الحق الذي قامت عند غيره البراهين الصحاح بصحته فهو مصيب محق مؤمن استدل أو لم يستدل ومن يسر للباطل الذي قام البرهان عند غيره ببطلانه فهو مبطل مخطئ أو كافر سواء استدل أو لم يستدل وهذا هو الذي قام البرهان بصحته والحمد لله رب العالمين وبالله تعالى التوفيق.
قال أبو محمد اختلف الناس في الوعد والوعيد فذهبت كل طائفة لقول منهم من قال أن صاحب الكبيرة ليس مؤمناً ولكنه كافراً وفاسق وأن كل من مات مصراً على كبيرة من الكبائر فلم يمت مسلماً وإذا لم يمت مسلماً فهو مخلد في النار أبداً وإن من مات ولا كبيرة له أة تاب عن كبائره قبل موته فإنه مؤمن من أهل الجنة لا يدخل النار أصلاً ومنهم من قال بأن كل ذنب صغير أو كبير فهو مخرج عن الإيمان والإسلام فإن مات عليه فهو غير مسلم وغير مسلم مخلد في النار وهذه م قال ات الخوارج والمعتزلة إلا أن بكر ابن أخت عبد الواحد ابن زيد قال في طلحة والزبير رضي الله عنهما أنهما كافران من أهل الجنة لأنهما من أهل بدر وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى قال لأهل بدر اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم قال فأهل بدر إن كفروا فمغفور لهم لأنهم بخلاف غيرهم و قال بعض المرجئة لا تضر مع الإسلام سيئة كما لا ينفع مع الكفر حسنة قالوا فكل مسلم ولو بلغ على معصية فهو من أهل الجنة لا يرى ناراً وإنما النار للكفار وكل هاتين الطائفتين تقربان أحداً لا يدخل النار ثم يخرج عنها بل من دخل النار فهو مخلد فيها أبداً ومن كان من أهل الجنة فهو لا يدخل النار و قال أهل السنة والحسين النجار وأصحابه وبشر بن غياث المريسي وأبو بكر بن عبد الرحمن ابن كيسان الأصم البصري وغيلان ابن مروان الدمشقي القدري ومحمد بن شبيب ويونس بن عمران وأبو العباس الناشي والأشعري وأصحابه ومحمد بن كرام وأصحابه أن الكفار مخلدون في النار وأن المؤمنين كلهم في الجنة وإن كانوا أصحاب كبائر ماتوا مصرين عليها وأنهم طائفتان طائفة يدخلون النار ثم يخرجون منها أي من النار إلى الجنة. وطائفة لا تدخل النار إلا أن كل من ذكرنا قالوا لله عز وجل أن يعذب من شاء من المؤمنين أصحاب الكبائر بالنار ثم يدخلهم الجنة وله أن يغفر لهم ويدخلهم الجنة بدون أن يعذبهم. ثم افترقوا ف قال ت طائفة منهم وهو محمد بن شبيب ويونس والناشي إن عذب الله تعالى واحداً من أصحاب الكبائر عذب جميعهم ولا بد ثم أدخلهم الجنة. وإن غفر لواحد منهم غفر لجميعهم ولا بد. و قال ت طائفة بل يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء وإن كانت ذنوبهم كثيرة مستوية وقد يغفر لمن هو أعظم جرماً ويعذب من هو أقل جرماً. و قال ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم يغفر لمن يشاء من أصحاب الكبائر ويعذب من يشاء منهم إلا القاتل عمداً فإنه مخلد في النار أبداً و قال ت طائفة منهم من لقى الله عز وجل مسلماً تائباً من كل كبيرة أو لم يكن عمل كبيرة قط فسيئآته كلها مغفورة وهو من أهل الجنة لا يدخل النار ولو بلغت سيئآته ما شاء الله أن يبلغ ومن لقى الله عز وجل وله كبيرة لم يتب منها فالحكم في ذلك الموازنة فمن رجحت حسناته على كبائره وسيئآته كلها تسقط وهو من أهل الجنة ولا يدخل النار وإن استوت حسناته مع كبائره وسيئآته فهؤلاء أهل الأعراف ولهم وقفة ولا يدخلون النار ثم يدخلون الجنة ومن رجحت كبائره وسيئآته بحسناته فهؤلاء مجازون بقدر ما رجح لهم من الذنوب فمن لفحة واحدة إلى بقاء خمسين ألف سنة في النار ثم يخرجون منها إلى الجنة بشفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبرحمة الله تعالى وكل من ذكرنا يجازون في الجنة بعد بما فضل لهم من الحسنات وأما من لم يفضل له حسنة من أهل الأعراف فمن دونهم وكل من خرج من النار بالشفاعة وبرحمة الله تعالى فهم كلهم سواء في الجنة ممن رجحت له حسنة فصاعداً. قال أبو محمد فأما من قال بأن صاحب الكبيرة يخلد وصاحب الذنب كذلك فإن حجتهم قول الله عز وجل " قال أبو محمد هذا كل ما احتجوا به ما نعلم لهم حجة غير هذا أصلاً أو يدخل فيما ذكرنا ولا يخرج عنه وبالله تعالى التوفيق وأما من قال إن الله تعالى يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء وقد يعذب من هو أقل ذنوباً ممن يغفر له فإنهم احتجوا بقول الله عز وجل " قال أبو محمد وأما من قال بمثل هذا إلا أنه قال الله تعالى إن عذب واحداً منهم عذب الجميع وإن غفر لواحد منهم غفر للجميع فإنهم قدرية جنحوا بهذا القول نحو العدل ورأوا أن المغفرة لواحد وتعذيب من له مثل ذنوبه جور ومحاباة ولا يوصف الله عز وجل بذلك وأما من قال بالموازنة فإنهم احتجوا ف قالوا إن آيات الوعيد وأخبار الوعيد التي احتج بها من ذهب مذهب المعتزلة والخوارج فإنها لا يجوز أن تخص بالتعلق بها دون آيات العفو وأحاديث العفو التي احتج بها من أسقط الوعيد وهي لا يجوز التعلق بها دون الآيات التي احتج بها من أثبت الوعيد بل الواجب جمع جميع تلك الآيات وتلك الأخبار وكلها حق وكلها من عند الله وكلها مجمل تفسيرها بآيات الموازنة وأحاديث الشفاعة التي هي بيان لعموم تلك الآيات وتلك الأخبار وكلها من عند الله قالوا ووجدنا الله عز وجل قد قال " قال أبو محمد فوجدنا هذا القول مجملاً قد فسرته آيات الموازنة وقوله تعالى الذي تعلقوا به " قال أبو محمد وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الرجل يأتي يوم القيمة وله صدقة وصيام وصلاة فيوجد قد سفك دم هذا وشتم هذا فتؤخذ حسناته كلها فيقتص لهم منها فإذا لم يبق له حسنة قذف من سيئاتهم عليه ورمى في النار وهكذا أخبر عليه السلام في قوم يخرجون من النار حتى إذا نقوا وهذبوا أدخلوا الجنة وقد بين عليه السلام ذلك بأنه يخرج من النار من في قلبه مثقال حبة شعير من خير ثم من في قلبه مثقال برة من خير ثم من في قلبه مثقال حبة من خردل ثم من في قلبه مثقال ذرة إلى أدنى أدنى أدنى من ذلك ثم من لم يعمل خيراً قط إلا شهادة الإسلام فوجب الوقوف عند هذه النصوص كلها المفسرة للنص المجمل ثم ي قال أخبرونا عمن لم يعمل شراً قط إلا اللمم ومن هم بالشر فلم يفعله فمن قول أهل الحق أنه مغفور له جملة بقوله تعالى " قال أبو محمد: وكذلك القول فيمن تساوت حسناته وكبائره وهم أهل الأعراف فلا يعذبون أصلاً فقد صح يقيناً أن هؤلاء الطبقات الأربع هم الذين شاء الله تعالى أن يغفر لهم بلا شك فبقي الذين لم يشاء الله تعالى أن يغفر لهم ولم يبق من الطبقات أحد إلا من رجحت كبائره في الموازنة على حسناته فهو الذين يجازون بقدر ذنوبهم ثم يخرجون من النار بالشفاعة وبرحمة الله عز وجل ف قالوا من هؤلاء من يغفر الله تعالى له ومنهم من يعذبه قلنا لهم أعندكم بهذا البيان نص وهم لا يجدونه أبداً فظهر تحكمهم بلا برهان وخلافهم لجميع الآيات التي تعلقوا بها فإنهم مقرون على أنها ليست على عمومها بل هي مخصوصة لأن الله تعالى قال إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ولا خلاف في أنه تعالى يغفر الشرك لمن آمن فصح أنها مجملة تفسيرها ساير الآيات والأخبار وكذلك حديث عبادة خمس صلوات كتبهن الله تعالى على العباد من جاء بهن لم ينقص من حدودهن شيئاً كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد إن شاء غفر له وإن شاء عذبه فإنهم متفقون على أن من جاء بهن لم ينتقص من حدودهن شيئاً إلا أنه قتل وزنى وسرق فإنه قد يعذب ويقولون إن لم يأت بهن فإنه لا يعذب على التأييد بل يعذب ثم يخرج عن النار. قال أبو محمد: هذا ترك منهم أيضاً لظاهر هذا الخبر. قال أبو محمد: ولا فرق بين قول الله تعالى " قال أبو محمد: وأهل النار متفاضلون في عذاب النار فأقلهم عذاباً أبو طالب فإنه توضع جمرتان من نار في أخمصيه إلى أن يبلغ الأمر إلى قوله تعالى " قال أبو محمد: والكفار معذبون على المعاصي التي عملوا من غير الكفر برهان ذلك قول الله سبحانه وتعالى " قال أبو محمد: وأما من عمل منهم العتق والصدقة أو نحو ذلك من أعمال البر فحابط كل ذلك لأن الله عز وجل قال أنه من مات وهو كافر حيط عمله لكن لا يعذب الله أحداً إلا على ما عمل ما لم يعمل قال الله تعالى " قال أبو محمد: وكل كافر عمل خيراً وشراً ثم أسلم فإن كل ما عمل من خير مكتوب مجازى به في الجنة وأما ما عمل من شر فإن تاب عنه مع توبته من الكفر سقط عنه وإن تمادى عليه أخذ بما عمل في كفره وبما عمل في إسلامه برهان ذلك حديث حكيم بن حزام عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال يا رسول الله أشياء كنت أتحنث بها في الجاهلية من عتق وصدقة وصلة رحم ف قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أسلمت على ما سلف لك من خير فأخبر أنه خير وأنه له إذا أسلم و قال ت له عائشة رضي الله عنها يا رسول الله أرأيت ابن جدعان فإنه كان يصل الرحم ويقرى الضيف أينفع ذلك قال لا لأنه لم يقل يوماً " قال أبو محمد: واستدركنا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في قاتل نفسه حرم عليه الجنة وأوجب له النار مع قوله من قال لا إله إلا الله مخلصاً من قلبه حرم عليه النار وأوجب له الجنة. قال أبو محمد: قال الله تعالى " وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى " فصح أن كلامه صلى الله عليه وسلم كله وحي من عند الله تعالى و قال عز وجل " قال أبو محمد: وأما الكفارة فإن الله تعالى قال: قال أبو محمد: ومن المحال أن يحرم الله تعالى علينا أمراً ويفرق بين أحكامه ويجعل بعضه مغفوراً باجتناب بعض ومؤاخذاً به إن لم يجتنب البعض الآخر ثم لا يبين لنا المهلكات من غيرها فنظرنا في ذلك فوجدنا قوماً يقولون أن كل ذنب فهو كبيرة. قال أبو محمد: وهذا خطأ لأن نص القرآن مفرق كما قلنا بين الكبائر وغيرها وبالضرورة ندري أنه لا ي قال كبيرة إلا بالإضافة إلى ما هو أصغر منها والكبائر أيضاً تتفاضل فالشرك أكبر مما دونه والقتل أكبر من غيره وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير وأنه لكبير أما أحدهما فكان لا يستبرئ من بوله وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة فأخبر عليه السلام أنهما كبير وما هما بكبير وهذا بين لأنهما كبيران بالإضافة إلى الصغائر المغفورة باجتناب الكبائر وليسا بكبيرين بالإضافة إلى الكفر والقتل. قال أبو محمد: فبطل القول المذكور فنظرنا في ذلك فوجدنا معرفة الكبير من الذنوب مما ليس بكبير منها لا يعلم البتة إلا بنص وارد فيها إذ هذا من أحكام الله تعالى التي لا تعرف إلا من عنده تعالى فبحثنا عن ذلك فوجدنا الله تعالى قد نص بالوعيد على ذنوب في القرآن وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ووجدنا ذنوباً أخر لم ينص عليها بوعيد فعلمنا يقيناً أن كل ما توعد الله تعالى عليه بالنار أو توعد عليه رسوله صلى الله عليه وسلم بالنار فهو كبير وكل ما نص عليه رسول الله صلى الله وسلم باستعظامه فهو كبير كقوله عليه السلام اتقوا السبع الموبقات الشرك والسحر والقتل والزنا وذكر الحديث وكقوله عليه السلام عقوق الوالدين من الكبائر وكل ما لم يأت نص باستعظامه ولا جاء فيه وعيد بالنار فليس بكبير ولا يمكن أن يكون الوعيد بالنار على الصغائر على انفرادها لأنها مغفورة باجتناب الكبائر فصح ما قلناه وبالله تعالى التوفيق.
قال أبو محمد: اختلف المتكلمون في معنى عبروا عنه بلفظ الموافاة وهم أنهم قالوا في إنسان مؤمن صالح مجتهد في العبادة ثم مات مرتداً كافراً وآخر كافر متمرد أو فاس ثم مات مسلماً تائباً كيف كان حكم كل واحد منهما قبل أن ينتقل إلى ما مات عليه عند الله تعالى فهذب هشام بن عمرو الفوطي وجميع الأشعرية إلى أن الله عز وجل لم يزل راضياً عن الذي مات مسلماً تائباً ولم يزل ساخطاً على الذي مات كافراً أو فاسقاً واحتجوا في ذلك بأن الله عز وجل لا يتغير علمه ولا يرضى ما سخط ولا يسخط ما رضي و قال ت الأشعرية الرضا من الله عز وجل لا يتغير منه تعالى صفات الذات لأين ولآن ولا يتغير إن وذهب سائر المسلمين إلى أن الله عز وجل كان ساخطاً على الكافر والفاسق ثم رضي الله عنهما إذا أسلم الكافر وتاب الفاسق وأنه كان تعالى راضياً عن المسلم وعن الصالح ثم سخط عليهما إذا كفر المسلم وفسق الصالح. قال أبو محمد: احتجاج الأشعرية ها هنا هو احتجاج اليهود في إبطال النسخ ولا فرق ونحن نبين بطلان احتجاجهم وبطلان قولهم وبالله تعالى التوفيق فنقول وبالله عز وجل نتأيد أما قولهم عن علم الله عز وجل لا يتغير فصحيح ولكن معلوماته تتغير ولم نقل أن علمه يتغير ومعاذ الله من هذا ولم يزل علمه تعالى واحداً يعلم كل شيء على تصرفه في جميع حالاته فلم يزل يعلم أن زيداً سيكون صغيراً ثم شاباً ثم كهلاً ثم شيخاً ثم ميتاً ثم مبعوثاً ثم في الجنة أو في النار ولم يزل يعلم أن سيؤمن ثم يكفر أو أنه يكفر ثم يؤمن أو أنه يكفر ولا يؤمن أو أنه يؤمن ولا يكفر وكذلك القول في الفسق والصلاح ومعلوماته تعالى في ذلك متغيرة مختلفة ومن كابر هذا فقد كابر العيان والمشاهدات وأما قولهم أن الله تعالى لا يسخط ما رضي ولا يرضى ما سخط فباطل وكذب بل قد أمر الله تعالى اليهود بصيانة السبت وتحريم الشحوم ورضي لهم ذلك وسخط منهم خلافه وكذلك أحل لنا الخمر ولم يلزمنا الصلاة ولا الصوم برهة من زمن الإسلام ورضي لنا شرب الخمر وأكل رمضان والبغاء بلا صلاة وسخط تعالى بلا شك المبادرة بتحريم ذلك كله كما قال تعالى " قال أبو محمد: ثم نقول لهم أفي الكافر كفر إذا كان كافراً قبل أن يؤمن وفي الفاسق فسق قبل أن يتوب وفي المؤمن إيمان قبل أن يرتد أم لا فإن قالوا لا كابروا وأحالوا وإن قالوا نعم قلنا لهم فهل يسخط الله الكفر والفسق أو يرضى عنهما فإن قالوا بل يسخطهما تركوا قولهم وإن قالوا بل يرضى عن الكفر والفسق كفروا ونسألهم عن قتل وحشى حمزة رضي الله عنه إرضاء كان لله تعالى فإن قالوا نعم كفروا وإن قالوا بل ما كان إلا سخطاً سألناهم أيؤاخذه الله تعالى به إذا أسلم فمن قولهم لا وهكذا في كل حسنة وسيئة فظهر فساد قولهم وبالله تعالى التوفيق وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
|